موصى به لك

الأقسام

الأفضل شهرياً

    رواية بنت البلد - أحداث مؤلمة في حياة البطله

    بنت البلد

    2025, سهى كريم

    مراهقه شبابية

    مجانا

    فتاة تدعى جايدن، تعيش مع خالتها المدمنة على الكحول، وتواجه صعوبات في حياتها اليومية. تبدأ الرواية بوصف كابوس مزعج ترى فيه جايدن وحشًا يطاردها في الغابة، ثم تنتقل إلى وصف حياتها الواقعية، حيث تواجه التنمر من زميلتها في المدرسة، وتتعرض لموقف مؤلم مع والدها الذي ينكرها. تجد جايدن العزاء في زيارة ملعب مهجور، حيث تتذكر صديقة طفولتها التي ماتت في حادث مأساوي.

    جايدن

    تواجه صعوبات في حياتها، بما في ذلك التنمر من زميلتها ماريسا وموقف مؤلم مع والدها الذي ينكرها.

    ماريسا

    زميلة جايدن في المدرسة، وهي متنمرة.

    والد جايدن

    ينكر بنوته لجايدن، مما يسبب لها ألمًا كبيرًا.
    تم نسخ الرابط
    رواية بنت البلد

    يا نهار أسود! كنت بجري زي المجنونة في الغابة، شعري طاير ورايا زي الديل. مش عارفة كنت بجري من إيه، بس كنت حاسة إن فيه حاجة بتجري ورايا.
    
    الهوا كان تلج، صدري كان بيتقطع من كل نفس، ونهجتي كانت بتملى وداني. رجليا اللي كانت حافية كانت بتخبط في الأرض المتلجة. كنت بتخبط في الشجر اللي كان زي الإبر، ورجليا اتعورت من الشوك اللي كان في الأرض.
    
    فجأة، شفت ورايا خيال راجل معمول من دخان أسود، كان بيقرب مني بسرعة الصاروخ. الخوف سيطر عليا، وكنت بتنطط بين الشجر زي المجنونة. رجليا اتزحلقت في طين بدل الأرض الصلبة.
    
    الوحش ده كان بيقرب مني بسرعة رهيبة، وكنت حاسة إن فيه حاجة وحشة هتحصل. قلبي كان بيدق زي الطبلة.
    
    نطيت فوق جزع شجرة متغطي بالطحلب، بس فشلت. وقعت على وشي. رجليا اتلوت في غصن شجرة، ووجعتني موت.
    
    حسيت بوجع نار في كاحلي، وصرخت من الوجع. عنيا دمعت، وكنت بغرق في الطين.
    
    فجأة، حاجة تقيلة نزلت على ضهري. جسمي اتقلب، ولقيت نفسي متكتفة بين إيدين ضخمة.
    
    الخيال الدخاني كان واقف فوقي، عنيه الحمرا بتلمع زي الجمر. الوحش ده كان مثبت إيديا بركبه. شفت مخالبه الطويلة، وأظافره السودا الحادة زي السكاكين.
    
    فتحت بوقي عشان أصرخ، بس مطلعش مني صوت. صوتي اتجمد من الخوف. الوحش غرز ضوافره في ضلوعي، وشق لحمي. حسيت بحاجة سخنة بتطلع من رقبتي، وكنت هترجع دمي.
    
    فتحت عنيا المفزوعة، لقيت نفسي في الضلمة. كنت ماسكة رقبتي، وبحاول أتنفس، وقعدت في السرير. بدل الطين، كنت نايمة على حاجة دافية وطرية.
    
    الهوا البارد لمس جلدي اللي كان عرقان. افتكرت إني كنت في أوضتي. كنت بحلم بكابوس وحش.
    
    أحلامي دايماً كانت واقعية، وبتسيبني حاسة بفراغ في بطني لما بصحى.
    
    إيديا كانت بتتحسس السرير عشان ألاقي أي حاجة تدفيني. لقيت بطانية رفيعة ملفوفة حوالين كاحلي.
    
    أكيد اتلفت حوالين رجليا وأنا بتقلب في الحلم. عشان كده كاحلي كان بيوجعني في الحلم.
    
    الضلمة كانت مغطية الأوضة كلها. النور الأحمر الخافت اللي كان طالع من الكومودينو هو النور الوحيد اللي كان في الأوضة. الساعة كانت 6:30 الصبح.
    
    تنهدت.
    
    مفيش فايدة من محاولة النوم دلوقتي. مش بعد حلم زي ده... كده كده معاد المدرسة قرب.
    
    المنبه بتاعي بيرن الساعة 7:00 الصبح، من الاتنين للجمعة.
    
    يبقى أبدأ أجهز نفسي من دلوقتي أحسن.
    
    إيديا كانت بتتحرك في الهوا زي المجنونة. كنت حاسة إني شبه الزومبي وأنا بتحسس طريقي عشان ألاقي زرار اللمبة. كانت على الكومودينو جنب السرير. دوست على الزرار، ونور مفاجئ دخل في عنيا الحساسة.
    
    اتحركت ببطء، ورحت عند التسريحة الصغيرة اللي جنب الشباك. قعدت على الكرسي الهزيل، وتثاوبت جامد.
    
    اللمبات اللي حوالين المراية نورت. بصيت في المراية، وشفت شكلي اللي كان وحش. شعري الأشقر كان منكوش، وعنيا كانت حمرا، وحواجبي كانت مكشرة.
    
    قربت من المراية، وشفت حباية جديدة في دقني. يا سلام!
    
    الدرج اللي في النص بتاع التسريحة اتفتح، وطلعت منه فرشاة شعر. الفرشاة كانت بتسرح شعري الطويل، وبتشد العقد الصغيرة. وشي كشر من الوجع.
    
    أكيد كنت بتقلب كتير وأنا نايمة في الكابوس.
    
    بعد ما سرحت شعري، مشيت إيديا على فروة راسي عشان أدلكها.
    
    الحمام استقبلني، وغسلت وشي وسناني، وحطيت مرطب. رجعت للتسريحة، وحطيت كونسيلر عشان أداري الهالات السودا اللي تحت عنيا. الكابوس اللي حلمت بيه مش أسوأ كابوس حلمت بيه في الأسبوع ده.
    
    قررت ألبس بنطلون ليجن أسود، وهودي أزرق واسع، عشان أنا ماليش مزاج أعمل مجهود النهارده. لبست كوتشي كونفرس كان سهل أوي في اللبس.
    
    بعد ما شلت موبايلي من الشاحن اللي على الكومودينو، حطيته في شنطتي. حطيت حزام الشنطة على كتفي اليمين، وطفيت النور، وفتحت باب الأوضة بالراحة.
    
    مشيت في الضلمة عشان أوصل للسلالم اللي كنت حافظاها، ونزلت بالراحة، ومسكت في السور عشان متزحلقش.
    
    تحت السلم، كان فيه نور شمس طالع من الباب الأمامي، ومنور المدخل. الأرض كانت مليانة أزاز بيرة وعلب بيرة.
    
    حاجات متدلقة كانت بتلزق تحت رجليا مع كل خطوة، وكان فيه ريحة عفن طالعة من السجاد. مناخيري اتكمشت من القرف.
    
    
    
    
    
    
    خالتي دي مدمنة كحوليات. أغلب الفلوس اللي كانت آماندا بتاخدها عشان ترعاني كانت بتطير على الخمرة. هي أصلاً معندهاش شغل.
    أنا لفيت عنيا بزهق على منظرها وهي مرمية على وشها على الكنبة في الصالة. دراعها كان متدلدل من الجنب. وكانت ماسكة في إيديها رقبة إزازة بيرة، وقاع الإزازة كان على الأرض.
    قفلت الباب ورايا بالراحة.
    محطة الأتوبيس كانت فاضية كالعادة. سندت بضهري على عمود النور الخشب، وحطيت إيديا متكتفة.
    السما كانت بتدندن شوية، غيوم رماديّة بتتحرك فوقي، ونقطة مطر نزلت على مناخيري. نقط المطر كانت بتنزل بالتدريج، وسرعتها كانت بتزيد مع كل نقطة.
    اتقشعرّت، ورفعت الكاب الرفيع على راسي.
    الأوتوبيس عدى على البيوت اللي جنبنا، وبعدين وقف قدامي. اللوحة الحمرا اللي بتنور ظهرت عشان تنبه العربيات اللي حوالينا إنها تقف.
    لفيت من قدام الأوتوبيس، ودخلت من البابين اللي بيتفتحوا بالزحلقة. الكوتشي الكونفرس بتاعي كان بيزيق بصوت عالي مع كل نطّة وأنا بطلع السلم.
    سواق الأوتوبيس تمتم بـ "صباح الخير" وأنا بعدي من جنبه. هزيت راسي كرد.
    قعدت في كرسي فاضي في نص الأوتوبيس، وزحزحت نفسي جنب الشباك. الإزاز البارد برد جبيني وأنا بسند عليه. الكاب عمل حاجز حلو بعد ما ظبطته على جلدي المكشوف.
    كنت بتفرج على الضباب اللي بيتكون على الشباك من نفسي. زهقت بسرعة، فبقيت بتفرج على الرسومات اللي مرسومة بقلم ماركر على ضهر الكرسي اللي قدامي. حد راسم صور مش كويسة لأعضاء خاصة في كل حتة.
    أصوات مزعجة كانت طالعة من الكراسي اللي ورا. لاحظت إن العيال اللي عاملين ملايكة بيقعدوا قدام، والعيال اللي عاملين نفسهم جامدين بيقعدوا ورا. عشان كده أنا دايماً بقعد في النص، المكان اللي بيقعد فيه كل المراهقين اللي مش فارق معاهم حاجة.
    الأوتوبيس وقف عشان حد تاني يركب.
    جسمي اتقشعر لما هوا بارد هب في الممرات، وخلى الطلبة اللي كانوا سقعانين يتلموا حوالين الدفايات.
    
    قشعريرة مشيت في ضهري لما الجو فكرني بذكريات مش عايزة أفتكرها.
    
    الحديد خبط في الممر المبلط لما رميت العجلة بتاعتي. طلعت السلالم الخشبية المبلولة والزلقة عشان أوصل لباب كوخ خشبي فخم مكون من تلات أدوار.
    كنت بردّد الكلام اللي كنت ناوية أقوله في دماغي. خدت نفس عميق، ورفعت إيدي بتردد، وخبطت بالراحة على الباب الخشب.
    استنيت كام دقيقة. مفيش رد.
    نفخت بملل، وبعدين خبطت تلات خبطات عالية. عضيت شفايفي بتوتر وأنا بستنى حد يفتح.
    بعد كام دقيقة، كنت بفكر أرجع ولا أخبط تاني. قبل ما أقرر، الباب اتفتح، ولقيت قدامي ست طويلة شعرها أسود وعينيها زرقا. كانت لابسة فستان ستان بني من غير أكمام.
    حطت إيديها اليمين الرفيعة على إطار الباب، وإيديها الشمال كانت لسه ماسكة مقبض الباب. مكنتش قادرة مبصش على الخاتم اللي في صباعها الرابع، ماسة كبيرة على شكل ماركيز كانت مغطية أغلب الخاتم.
    "أهلاً؟" قالت، وهي بتبص في وشي عشان تشوف إذا كانت تعرفني.
    "أهلاً! كنت بسأل إذا كان جون موجود. كنت عايزة أتكلم معاه لو سمحتِ." طلبت بأدب.
    ابتسمت رد على أسلوبي الودود، "أيوه، هو موجود يا حبيبتي. تحبي تدخلي؟ الجو برد أوي برة." عرضت، وهي بتمشي إيديها على دراعاتها السمرا عشان تثبت كلامها.
    "أه، فعلاً، شكراً." رديت، وأنا بترعش من البرد.
    شالت إيديها من إطار الباب، وفتحتلي المدخل عشان أدخل. دخلت، وشكرتها وهي بتقفل الباب ورايا.
    هزيت راسي ليها، وممتنة إني دخلت البيت الدافئ بدل ما كنت واقفة في الجو المتلج.
    "هقوله إن عنده زائر." قالت، وهي بتمشي من باب على الشمال واختفت من قدامي.
    كنت بتفرج على الممر الكبير. كان فيه نجفة فضة كبيرة متدلية في نص الممر فوق راسي. سجادة فيروزيّة تحفة كانت مغطية الأرض تحت رجلي.
    "أهلاً؟" صوت عميق قطع تفكيري.
    

    عنيا اتفتحت على الآخر من المفاجأة، عشان مسمعتش أي صوت رجلين. اتخضيت، ولفيت راسي، ولقيته واقف. الراجل اللي كنت بحاول ألاقيه بقالي سنين. رجليه الطويلة كانت على الأقل متر وتمانين سنتيمتر، شعره البني الفاتح متسرح لورا بانتظام. فكه كان محدد، وخده كان حالق دقنه نضيف. أبويا. كل الكلام اللي كنت محضراه طار من دماغي، وبقت فاضية خالص. "ا-أهلاً." قلت بتلجلج. "مراتي قالتلي إنك عايزة تتكلمي معايا. هو أنا أعرفك؟" سأل، وحواجبه مكشرة باستغراب. حسيت بوجع في قلبي لما جاب سيرة مراته، بس ده كان متوقع. مش ده اللي جيت عشانه. نضفت زوري. "أنا جايدن، بنتك." قلت بوضوح وبصوت قوي. اتسمر مكانه، ووشه كان جامد. مفيش أي مشاعر ظهرت في عنيه الخضرا الباردة. "أنا معنديش بنات. لازم تمشي دلوقتي." قال بحدة. قلبي وقف. بعد كل الشهور اللي قضيتها وأنا بدور عليه وبتخيل هيعمل إيه لما يشوفني، مكنتش متوقعة رد الفعل ده أبداً. كنت بتخيل سيناريوهات مختلفة كل يوم وأنا بدور عليه، وبتخيل إنه هيحضني بفرحة. فجأة، صوت صغير قاطعنا. "بابا! ممكن تيجي تلعب معايا؟" ولد شعره أشقر وسخ وعينيه خضرا طلب وهو بيشد في إيده. "دقيقة واحدة." رد، وهز إيد الولد عشان يسيب إيده. قرب مني، وزقني ناحية الباب بقوة، وفتحه. بقي بوقي مفتوح من الصدمة، وفقدت توازني ورجعت لورا، برا الباب. "متجيش هنا تاني أبداً." قال، وقفل الباب في وشي مباشرة. فضلت باصة على الباب، مصدومة. هو ده أخويا؟ عنيا بدأت تدمع، والمشاعر غلبتني. لفيت ونزلت السلم. الدموع والمطر كانوا نازلين على وشي، وشهقة طلعت مني، وحسيت إن فيه نار بتحرق جوايا. كان بيوجعني إني أتنفس. حطيت إيديا على صدري. مع كل دقة قلب، كنت بحس بوجع فظيع بيجري في صدري. كل السنين دي وأنا بتساءل وبتخيل وبحلم إيه هيكون شكل مقابلة أبويا، وفي الآخر مفيش حاجة. عيطت كتير بالليل، كنت عايزة أهل أعتمد عليهم وياخدوا بالهم مني. الأب اللي كنت فاكرة إنه هيحبني كسر قلبي. هدومي كانت مبلولة بالمطر. لفيت وبصيت على البيت، وشفت الست بتبص من الشباك بعطف في عينيها. جريت بأقصى سرعة بعيد من هناك. الدموع اتجمعت في عنيا. مسحتها بأكمامي. الأوتوبيس وقف عند المدرسة، فنزلت من الكرسي ومشيت ناحية الباب. شنطتي كانت بتخبط في الكراسي وأنا ماشية في الممر. فجأة رجلي اتعلقت في حاجة، وبالعافية مسكت في كرسي من الكراسي المطاط عشان متوقعش. كشرت وأنا سامعة ضحك طالع من ورايا. لفيت عشان أشوف مين السبب. ماريسا. "معلش." ضحكت، وهي بتبصلي بابتسامة ساخرة. طنشّتها وكملت نزولي من الأوتوبيس، ومتجاهلة التصرف التافه ده. دفء المدرسة استقبلني وأنا ماشية ناحية أول حصة. الطلبة كانوا بيتزحموا في الكافتيريا اللي كانت مليانة دوشة عشان يستغلوا وقت الراحة القصيرة بتاعت الغدا. الكبار كانوا واقفين في طوابير مستنيين ياخدوا أكلهم، والطابور كان بيقل تدريجياً مع كل واحد بياخد قطعة بيتزا. أنا شيلت الصينية البلاستيك لحد ترابيزة الغدا المستطيلة اللي بقعد عليها كل يوم. شنطتي اتزحلقت من على كتفي ووقعت على الأرض بـ "طَب" قبل ما أقعد على الدكة. بصيت بتركيز على البيتزا اللي عليها جبنة وأنا بحاول أحدد إذا كانت بتتاكل ولا لأ. بعد ما قررت إنها شكلها آمنة للأكل، أخدت قضمة. طعمها مكنش وحش خالص. آخر مرة جربتها كان طعمها زي الكرتون. حسيت بوجود حد، وبعدين حد اتكلم في ودني، ودخل في مساحتي الشخصية. "أهلاً." شرقت بالبيتزا من المفاجأة، ومسكت علبة اللبن من الصينية على طول. شربتها كلها عشان أروق مجرى الهوا. شرب اللبن مع البيتزا مقرف، بس المدرسة اللي ميزانيتها على القد كانت بتوفر اختيارين بس. لبن أبيض، أو شوكولاتة. اختيار الشوكولاتة كان هيبقى قاسي. غير كده، اللبن الأبيض متخفف بالمية لدرجة إنه تقريباً زي شرب المية لو مخدتش بالك. حركت عنيا ناحية اللي خضني. مراهق مفتول العضلات شعره بني فاتح كان بيبصلي، وقاعد على الدكة اللي بنقعد عليها. عينيه بني شوكولاتة كانت بتبصلي. مكنتش أعرفه، يبقى أكيد جديد. "أنتي كويسة؟" سأل. أخدت بق كبير تاني من المية، ومردتش عليه من الإحراج. حسيت وشي سخن، ومتأكدة إنه احمر. "يبقى اسمك جايدن، صح؟" كمل، بعد ما فهم إني مش هرد بعد كام دقيقة. هزيت كتفي بمعنى "مش عارفة". "يبقى ده بمعنى أيوه، على ما أظن." "أظن." تمتمت. "بصي، أنا بشوفك هنا، وكنت بس بتساءل..." كلامه اتقطع بصيحة وجع عالية مني. حاجة جامدة خبطت في دماغي، ووقعت على الأرض البلاط بـ "طَب". لفيت وبصيت عليه. تابعت نظراته المصدومة ناحية الأرض، وشفت تفاحة حمرا بتلمع مرمية هناك. فركت المكان اللي وجعني في دماغي بأطراف صوابعي. كشرت لما حسيت بصداع نصفي بدأ يتكون. عمرك اتخبطت بتفاحة؟ مش حاجة لطيفة. كل اللي حوالينا كانوا بيضحكوا. سمعت ضحكة ماريسا المستفزة فوق الكل. تنهدت بغضب. أهلاً بحياتي اليومية. ماريسا بتحب تتنمر على الناس. صاحبتي اللي كانت أقرب واحدة ليا بتستهدفني أكتر من أي حد تاني. الصداقة انتهت لما نامت مع سيث، حبيبي اللي بقالي سنتين معاه. عمرها ما نست إنه حاول يرجعلي بعد ما خانني معاها. خليني أعدل كلمة حبيبي دي. هو دلوقتي حبيبي السابق، اللي كنت معاه سنتين قبل ما انفصلنا. بصراحة، كان لازم أكون شايفة ده من بدري. العلامات والأعلام الحمرا كانت موجودة. قلة الطاقة في الرسايل اللي كان بيبعتها، والأيام اللي كان بياخدها عشان يرد، وإنه كان بيبني علاقتنا على كلام أصحابه. للأسف، كنت عميانة بسبب كيوبيد اللعين، وده خلاني أعمله أعذار. كنت بتجاهل العوامل السيئة وبمجّد الحاجات اللي كانت بتعجبني فيه، زي إني كنت فاكرة إنه بيعرف يبوس كويس. غير إنه كان بيخليني أحس إني مميزة لما كان بيجامل عنيا. انفصلنا لما كنت في سنة تانية ثانوي، وهو كان في تالتة، فمكنتش مضطرة أشوفه كتير بعد اللخبطة دي كلها. بس لسه كل ده بيوجعني. الولد قاطع تفكيري. "أنتي كويسة؟" سأل، وقلق ظهر على وشه.

    وقفت، وقررت أطنش الولد ده من الإحباط. أنا متأكدة إنه لو مكنش اداني اهتمام، ماريسا مكنتش عملت كده. مشكلتها إنها لازم يكون عندها اهتمام طول الوقت، سواء كان كويس أو وحش. شنطتي الخفيفة اترفعت بسهولة من الأرض، وعلقتها على كتفي. مسكت الصينية بتاعتي من على الترابيزة، ورميت بقايا البيتزا اللي مخلصتهاش في الزبالة. وقفت دقيقة بفكر. أنا زهقت من قرفها ده. إنها توقعني كل شوية ده حاجة، لكن إنها ترمي عليا حاجة تقيلة ده حاجة تانية. غير كده، ده وجعني أوي. لميت التفاحة اللي خبطت في دماغي من الأرض. ماريسا ضحكت بسخرية وهي بتبصلي لما وصلت لترابيزتها. "تعرفي يا ماريسا، أنا عمري ما كنت من اللي بيقولوا كلام مفيد للستات المتكبرة." قلت، وأنا ببص عليها من فوق لتحت. رفعت حواجبها باستغراب إني رديت عليها. الكافتيريا سكتت شوية، والناس بدأت تتكلم بهمس لما فهموا إني أخيرًا بدافع عن نفسي. "بس،" كملت، وأنا بحرك التفاحة في الهوا، "يمكن بدل ما ترمي فاكهتك، تحاولي تاكليها." قلت، وهزيت كتافي. اتقدمت لقدام وبقيت وشي في وشها، وماسكة التفاحة قدام عنيها مباشرة. "يمكن ده يساعد في مشكلة الوزن." همست بصوت عالي. حطيت التفاحة قدامها على الترابيزة وابتسمت ليها. "حاولي متضيعيش بوقك المرة دي." ضفت، وأنا بغمز ليها. ماريسا اتصدمت وسكتت، ومش عارفة ترد تقول إيه. مشيت بهدوء ناحية باب الخروج في الكافتيريا، والكل على ترابيزتها كانوا بيضحكوا على رد فعلها المتجمد على المواجهة بتاعتي. سمعتها بتقولهم يسكتوا. زقيت الباب وفتحت ومشيت في الممر الهادي، ورايحة على الحمام مباشرة. دخلت الحمام وقفلت على نفسي أكبر كابينة، وقعدت على غطا التواليت. بصراحة، هي مش تخينة، بس لو قلت كده لبنت متكبرة، رد فعلها بيكون تحفة. مش إني من النوع اللي بيعمل كده عادة، بس ماريسا النهاردة تستاهل. قعدت هناك وفكرت في كل حاجة. أنا مكنش ليا مزاج أروح الحصص النهاردة ولا أتعامل مع الناس اللي هيحاولوا يتكلموا معايا عن اللي حصل. عشان كده أنا بسيب الأمور تمشي. أنا مش بحب أكون متورطة في الدراما، أنا مش بتاعة خناقات. لو كان لازم أختار بين إني أفضل أتخانق أو إني أمشي، كنت ببساطة همشي. ضيقت عنيا. تعرفوا إيه؟ طز فيهم. أنا هختار أمشي دلوقتي. الشباك اللي في الكابينة لفت انتباهي. نطيت ورفعت الترباس على الجنب، وفتحته. جربت الشباك أشوف هيتفتح ولا لأ عن طريق إني سحبت المقبض اللي فوق. اتزحلق ناحيتي بنجاح، والقاع طلع لبره. ابتسامة شيطانية ظهرت على وشي. أيوه. رجلي اليمين اتدلدلت برا، وزقيت مؤخرتي شوية عشان أشوف هعرف أعدي ولا لأ. ضحكة رنت في الحمام لما عرفت إني هعرف. كأنه كان مقدر إنه يحصل. الحمام في الدور الأرضي، فمش هيبقى فيه وقوع كبير. هو المدرسة دي بتفكر أصلاً؟ ده مش أمان للطلبة خالص. رميت شنطتي برا على مكان ناشف تحت عتبة الشباك مباشرة. رفعت نفسي على الإطار عشان أنزل نفسي برا. باب الحمام التقيل اتفتح بصوت صرير، ومجموعة بنات كانوا بيتكلموا وهما داخلين الحمام. "أنتي مصدقة اللي حصل ده؟ ماريسا متغاظة أوي. نفسها تعرف البت الغريبة دي راحت فين." سمعت حد بيضحك. مكنتش مستغربة إن زمايلي في المدرسة شايفيني غريبة. أنا مكنش عندي كلام كتير أقوله لأي حد. أقول إيه؟ أنا انطوائية بطبعي. رجلي الشمال انضمت لرجلي اليمين، الاتنين متدلدلين من الفتحة وأنا ماسكة في الإطار جامد. جسمي كان بيترعش وأنا بنزل على الأرض المبلولة. "ليه دي مقفولة ومفيش حد جواها؟" سمعت صوت متضايق بيتساءل، وهو بيهز باب الكابينة بقوة من قدام لورا. نزلت الشباك بالراحة، والهوا اللي جوا سحبه وقفل. شنطتي كانت مرمية في المكان الناشف اللي رميتها فيه. خطفتها وأنا بتني، وبدأت أزحف بعيد عن المدرسة وأحاول متتشافش من الشبابيك. الهروب من أرض المدرسة اداني إحساس زي العصفور اللي لسه متعلم يطير. الهوا البارد اللي استنشقته حرق زوري وأنا بنهج. الكاب غطى وشي وأنا بجري في الشارع، ورايحة على الحديقة اللي دايماً بروحها لما بحب أكون لوحدي. جريت بأقصى سرعة في الممر اللي مليان حشيش اللي أعرفه، وبعيد عن الرصيف.

    لما الحديقة ظهرت قدامي، اتجهت ناحية مجموعة المراجيح الصدية. قعدت بتعب على المرجيحة الوحيدة اللي مكنتش مكسورة، وأنا بتنفس بعمق عشان ألحق نفسي. كرمشت مناخيري لما أدركت إني قعدت في بركة مية صغيرة اتكونت في كرسي المرجيحة من المطر. يا نهار أسود. خلاص فات الأوان إني أعمل أي حاجة دلوقتي. استسلمت للأمر الواقع، وسندت راسي على السلسلة. الملعب قديم ومتهالك. محدش بيجي هنا تاني، بصراحة. هو بتاعي أنا لوحدي. كل عيال المنطقة كانوا بيجوا يلعبوا هنا، بس ده انتهى بعد حادثة بشعة حصلت في الحديقة الصغيرة دي. الحادثة حصلت نتيجة الإهمال في الصيانة. البنت الصغيرة اللي ماتت كانت صاحبة طفولتي المقربة، مورجان. كنا بنستمتع باللعب على ألعاب التسلق والدوامة، زي كل العيال التانية. اليوم اللي ماتت فيه مورجان عمره ما هيروح من ذاكرتي. كنا بنلعب على العقلة سوا لوحدنا. أغلب العيال التانية كانوا مشغولين بلعبة الاستغماية. مورجان وأنا كنا متعلقين بالمقلوب على العقلة، وبنعمل وشوش مضحكة لبعض. كان فيه تحدي نشوف مين هيقدر يفضل في الوضع ده أطول وقت. كنا بنستخدم ركبنا عشان نتعلق لحد ما بدأت تستعرض. زحلقت ركبها لتحت، وبتستخدم نص قدمها عشان تحافظ على توازنها، وفي نفس الوقت ماسكة العقلة بإيديها. شعرها الأشقر الفاتح كان متدلدل فوق وشها الأحمر. رفعت إيديها الاتنين من العقلة، وفردت دراعاتها على الجنبين. ابتسامة كبيرة كانت على وشها. دي كانت آخر مرة شفتها بتضحك فيها. مكنش فيه أي حاجة أقدر أعملها عشان أوقف اللي حصل، كنت بعيدة أوي. رجليها اتزحلقت من العقلة لما فقدت توازنها. صوت طرقعة مفجع طلع لما وقعت على رقبتها مباشرة. صرختي الحادة أسكتت الملعب كله. الأهالي جريوا على المكان، ومامتي ساعدتني أنزل من العقلة. مورجان كانت مشلولة، ووالدها بيتوسل ليها تتكلم وهو رافعها من أكتافها. راسها وقعت على صدرها بتراخي، ودراعاتها كانت بتتحرك بشكل عشوائي من لمسته. عربية الإسعاف جت وأخدتها. ماتت بعد تلات أيام من إصابة في النخاع الشوكي. كنت بحلم بكوابيس عن شكلها لما ماتت. بشرتها كانت شاحبة وعينيها فاضية، وحواليها أجهزة موصولة بيها. ساعات كانت بتكون عايشة في أحلامي، وبتسألني ليه موقفتهاش من الوقوع. الأحلام مكنتش كلها وحشة، كان فيه أحلام كويسة من وقت للتاني. ساعات بحلم بذكرياتنا وإحنا سوا هنا، بنتمرجح وبنضحك وبنشوف مين هيقدر يتمرجح أعلى حاجة. يمكن الواحد يستغرب ليه ده مكاني المفضل بسبب الصدمة اللي عندي من اللي حصل. هقولهم ليه من غير تردد. الملعب ده بيخليني أحس إني قريبة من مورجان تاني. بالنسبة لي، كانت ملاك. شعرها كان أشقر لدرجة إنه كان بيبان كأنه هالة بتطفو فوق راسها لما الشمس كانت بتلمع عليها. لما ماتت، كان كأن المدينة ماتت معاها. المأساة دي غيرت كل حاجة في إيفرفولز، وكأنها بعتت المدينة الصغيرة في حالة ذعر كبيرة بخصوص أمان الأطفال. بدل ما كنت بشوف ناس فرحانة في كل مكان، والشمس بتلمع والمحلات بتزدهر، مكانها مدينة كئيبة كانت بتبان كإنها برد على طول. أغلب الوقت كانت بتمطر. الحديقة دلوقتي مليانة نباتات وأشجار برية، بس المراجيح والأجهزة التانية لسه في حالة كويسة. صدى خفيف بس. الشمس طلعت من بين الغيوم، وابتسمت، وسبتها تدفي وشي، وكنت بستغل الدفء النادر ده.

    روايه لام شمسيه

    لام شمسية

    2025, أدهم محمد

    توعوية

    مجانا

    تتناول الرواية قضية التحرش بالأطفال من خلال قصة سلمى، التي تعرضت في طفولتها للمس من قبل شخص مقرب من عائلتها دون أن تدرك حينها ما يحدث. بمرور السنوات، تبدأ سلمى في استيعاب الحقيقة، فتصبح أسيرة للذكريات المؤلمة، مما يدفعها إلى مواجهة الماضي ومحاولة كسر حاجز الصمت. تسلط الرواية الضوء على أهمية التوعية، ودور الأهل في حماية أطفالهم، وتشجع الضحايا على استعادة أصواتهم وعدم الخوف من التحدث.

    سلمى

    فتاة تعاني من أثر تجربة طفولية مؤلمة وتسعى لمواجهة ماضيها.

    والدة سلمى

    تحب ابنتها لكنها لم تكن واعية بالخطر المحيط بها.

    والد سلمى

    رجل يثق في أصدقائه دون أن يشك في أحدهم.
    تم نسخ الرابط
    روايه لام شمسيه

     أنا سلمى، بنت عندي 18 سنة، وقررت أتكلم وأحكي حكايتي، مش عشان حد يواسيني أو يقولي "حقك علينا"، لكن عشان محدش يسكت تاني، عشان أي بنت تعرضت للي حصل معايا تعرف إنها مش لوحدها، وإنها مش لازم تخاف.
    
    وأنا صغيرة، كنت طفلة بريئة، بحب اللعب، الضحك، حضن ماما، وصوت بابا وهو بيحكي لي حكاية قبل النوم. كان كل شيء بسيط، لحد ما فهمت إن مش كل الناس زي بابا وماما، وإن في ناس عندها وشين، بيضحكوا في وشك الصبح، وبالليل يبقوا وحوش.
    
    كان في شخص قريب مننا، كان بييجي البيت كتير، كنت بحبه وأحترمه، مكنش يخوفني، بالعكس، كنت بشوفه شخص طيب، كنت بسلم عليه بحب، بقعد جنبه، وأحكيله عن يومي في المدرسة. كان بيسمعني، يضحك معايا، ويديني الحلوى، مكنتش أعرف إن كل ده مش بريء.
    
    في يوم، وأنا قاعدة بلعب بعرايسي، لقيته نادى عليا، ابتسمت وجريت عليه، كنت فرحانة، بس أول ما قربت، حسيت بإيده تقبض على إيدي بطريقة غريبة. كنت لابسة فستاني الوردي اللي بحبه، وكنت فخورة بيه، لكنه بقى حاجة تانية لما حسيت بإيده تقرب مني أكتر.
    
    كنت طفلة، مش فاهمة، بس حسيت بحاجة مش مريحة، كأن في حاجة غلط، بس مش عارفة أوصفها. قرب مني، نَفَسه كان سخن على وشي، همس لي: "متخافيش، أنا بحبك." جملة كانت ممكن تبقى بريئة لو مكنتش خارجة من فم شخص بيعمل حاجة تخوف.
    
    كنت عايزة أبعد، بس جسمي كان متجمد، فضلت واقفة، خايفة، مش عارفة أتحرك. بعد لحظات، سمعت صوت ماما في المطبخ، فجأة بعد عني، كأنه مفيش حاجة حصلت، كأنه مكنش لسه ماسك إيدي بالطريقة اللي خلتني مش قادرة أتنفس.
    
    من اليوم ده، كل ما أشوفه، كنت بحس برجفة في قلبي، بحاول أهروب، بس هو كان دايمًا موجود، دايمًا عارف إمتى أكون لوحدي، إمتى محدش شايف. كان يقرب، يلمسني بالطريقة اللي تخليني نفسي يوقف، بس مكنتش عارفة أعمل حاجة، مكنتش حتى عارفة أتكلم.
    
    كبرت، وفهمت. فهمت إن اللي حصل كان حاجة مش عادية، وإنه كان لازم أتكلم من زمان، وإنه مش ذنبي، وإنه في آلاف البنات اللي عايشين الرعب ده وساكتين. دلوقتي، أنا مش هسكت، ومش عايزة أي بنت تفضل خايفة. عايزة كل بنت تعرف إن الخوف مش لازم يكون أقوى منها، وإن صوتها لازم يكون مسموع.
    
    
    
    
    مش بس البنات اللي بيحصل فيهم كده، الولاد كمان بيتعرضوا لنفس القذارة من ناس مرضى نفسيين بجد، ناس عايشة وسطنا بوش بريء، بس جواهم وحوش بتدور على أي فرصة تستغل ضعف طفل، سواء كان ولد أو بنت.
    
    في ولاد كتير بيتعرضوا للتحرش بس محدش بيتكلم عنهم، كأن الولد لازم يكون قوي، كأنهم مش من حقهم يخافوا أو يتوجعوا. الولد لو اتعرض لتحرش، بيقولوا عليه: "أنت راجل، ازاي تخاف؟ ازاي تسيب حد يعمل فيك كده؟" كأن الضحية هي اللي غلطان، كأن الطفل، مهما كان جنسه، لازم يكون عنده القوة إنه يحمي نفسه، مع إن المسؤولية دي مش عليه، المسؤولية على الأهل، على المجتمع اللي ساكت، على الناس اللي بتشوف وما بتتكلمش.
    
    في ولاد بيتم استغلالهم من قرايبهم، من مدرسين، من جيران، بس مفيش حد بيصدقهم، مفيش حد بيسألهم: "أنت كويس؟" لأن الولد متوقع منه إنه يكبر ويسكت، متوقع منه إنه يمحي الحاجات دي من دماغه، لكنه مش بينساها، بتفضل محفورة جواه، تأثر عليه، تخليه خايف، تخليه مش واثق في نفسه، تخليه يحس إنه مش طبيعي، مع إن الغلط مش عليه.
    
    في ناس بتفتكر إن التحرش أو الاعتداء حاجة بتتنسى، حاجة مش مهمة، لكن الحقيقة إنه بيهد حياة ناس، بيسرق منهم الطفولة، بيخليهم يعانوا سنين طويلة، ممكن حد يفضل شايل الجرح ده لحد ما يكبر، ومن كتر الضغط، يتكسر، يبقى شخص مش قادر يحب نفسه، مش قادر يثق في حد.
    
    اللي زيي، واللي زي أي بنت أو ولد مروا بالحاجات دي، مش لازم يفضلوا عايشين بالخوف. إحنا مش لازم نسكت، لازم نحكي، لازم نواجه، مش بس عشان نفسنا، لكن عشان محدش تاني يعيش نفس الألم اللي إحنا عشناه.
    
    
    
    
    كلنا شفنا مسلسل "لام شمسيه" أو أي عمل تاني ناقش قضايا التحرش، وكل مرة بنتفرج على حاجة زي كده، بنحس بنفس الصدمة، بنفتكر إن الواقع أحيانًا أبشع من الدراما، وإن اللي بيتعرضوا للحاجات دي مش مجرد شخصيات على الشاشة، دول أطفال حقيقيين، حوالينا، في كل بيت، في كل شارع، ممكن يكونوا أقرب مما نتخيل.
    
    المشكلة مش في إن الحاجات دي بتحصل، المشكلة في إن ناس كتير بتتجاهلها، بتقول: "إحنا مجتمع محترم، الحاجات دي مش عندنا." بس الحقيقة إنها عندنا، وموجودة أكتر مما حد يتخيل، في البيوت، في المدارس، في الأماكن اللي المفروض تكون أمان للأطفال، وسط ناس المفروض يكونوا أهل ثقة.
    
    المسلسلات والأفلام ممكن تفتح عيوننا، تصحي جوانا الإحساس بالخطر، بس لو كلنا شفنا وتأثرنا وسكتنا، يبقى ماعملناش حاجة. لازم نتكلم، نهتم بأولادنا وبناتنا، مش بس نخاف عليهم من الغريب، لأن الغريب أحيانًا بيكون أقرب حد، الشخص اللي محدش يشك فيه.
    
    كل طفل لازم يحس بالأمان إنه لو حصل له حاجة يقدر يحكي، من غير ما يخاف، من غير ما حد يقوله "اسكت، محدش هيصدقك، عيب تتكلم في الحاجات دي." كل طفل لازم يعرف إن جسده ملكه، وإن مفيش حد ليه حق يلمسه بطريقة تزعجه، وإنه لو حس بالخوف، أو بعدم الراحة، لازم يتكلم، ولازم يلاقي حد يسمعه ويصدقه.
    
    السكوت هو اللي بيشجع المجرمين يكملوا، والخوف هو اللي بيخلي الضحايا يفضلوا شايلين الوجع جواهم طول عمرهم. عشان كده، لازم نوعي نفسنا، ولازم نخلي كل طفل يعرف إنه مش لوحده، وإن صوته لازم يتسمع، وإنه دايمًا في حد هيحميه.
    
    
     كل أم لازم تكون الدرع الحامي لبنتها، مش بس إنها تأكلها وتلبسها، لكن إنها تزرع فيها القوة والشجاعة إنها تحمي نفسها. أي بنت لازم تعرف إن جسدها ملكها، وإنها مش مجبرة تسكت لو حد قرب منها بطريقة مش مريحة، حتى لو كان أقرب الناس ليها. لازم تفهم إن "العيب مش عليها، العيب على اللي بيعمل الغلط".
    
    بمجرد ما تحس إن في حد بيلمسها بطريقة غريبة، لازم يكون رد فعلها فوري: تشتمه، تصرخ، تجري، تيجي تحكي لأمها في نفس اللحظة. مفيش حاجة اسمها "يمكن كان بالغلط" أو "مكنش يقصد"، لأن اللي بيبدأ بحاجة صغيرة، ممكن مع السكوت يتمادى أكتر.
    
    والأم دورها هنا مش إنها تهدي بنتها وتقولها "خلاص، مفيش حاجة، متكبريش الموضوع"، بالعكس، لازم توقف مع بنتها، تصدقها، وتتصرف بدون تردد. لو حد عمل كده، يتحاسب، يتحط عند حده، يتحول لعبرة لأي حد ممكن يفكر يعمل زيه.
    
    مافيش تسامح في الحاجات دي، اللي يمد إيده على بنت صغيرة، ماينفعش يفضل حر، ماينفعش يتم التعامل معاه بالطيبة. التستر على الأشكال دي هو اللي بيشجعهم إنهم يستمروا، لكن لو كل واحد عرف إن مصيره الفضيحة، العقاب، والانتهاء، ساعتها الدنيا هتبقى أأمن لبناتنا وأولادنا.
    
    ______________________________________
    
    أنا فاكرة اليوم ده كأنه حصل امبارح. كنت صغيرة، بريئة، مفيش في دماغي أي حاجة وحشة، كنت بضحك وأجري زي أي طفلة، عمري ما تخيلت إن في شر ممكن يستخبى في الناس الكبار، خصوصًا الناس القريبين مننا، اللي المفروض يكونوا أمان مش خطر.
    
    صاحب أبويا كان بيجي البيت دايمًا، بيتكلم مع بابا ويضحك معاه، وأنا كنت بحس إنه جزء من العيلة، عمري ما كنت أتخيله غير كده. في يوم، وأنا قاعدة في الصالة، قرب مني بطريقة غريبة، كنت طفلة، مكنتش فاهمة إيه اللي بيحصل، مكنتش حتى مستوعبة إن في حاجة غلط. لمسته كانت مش طبيعية، مش زي أي لمسة عادية من أي حد في العيلة، كانت مختلفة، غريبة، بس عقلي الصغير مقدرش يستوعب الفرق.
    
    فضلت سكتة، مش عارفة أتكلم أو أقول حاجة، حسيت بضيق غريب، كأن في حاجة جوايا بتقولي إن ده مش طبيعي، لكني كنت طفلة، وطفلة ساذجة بتصدق إن الكبار مش ممكن يأذوا حد. اليوم ده عدى، وأنا نسيت، أو بمعنى أصح، أقنعت نفسي إني نسيت. لكن الذكرى دي فضلت جوايا، مختبئة في عقلي الباطن، لحد ما كبرت وفهمت.
    
    فهمت إن اللي حصل كان غلط، وإنه استغل براءتي وضعفي. فهمت إن في ناس بتستخبى تحت قناع الاحترام، لكنهم وحوش بجد. فهمت إن الأطفال أحيانًا مش بيبقوا قادرين يحموا نفسهم، وإنهم محتاجين حد يحميهم، حد يفهمهم، حد يقولهم "لو حد لمسك بطريقة مش مريحة، لازم تتكلم، لازم تصرخ، لازم تجري."
    
    أنا دلوقتي فاهمة، بس وأنا صغيرة مكنتش فاهمة، وده اللي وجعني أكتر، إني سيبت الموقف يعدي من غير ما أعمل حاجة، من غير ما أصرخ، من غير ما أحكي لحد. وده أكتر شيء بكرهه، إني فضلت ساكتة، مش لأني كنت خايفة، لكن لأني ببساطة مكنتش عارفة.
    
    
    
    نصيحة ليكم: اهتموا بأولادكم، خلوهم يحسوا بالأمان، علموهم إن جسدهم ملكهم، وإن مفيش حد ليه حق يلمسهم أو يقرب منهم بطريقة مش مريحة.
    
    مافيش حاجة اسمها "ده عيل مش هيفهم"، بالعكس، الأطفال بيفهموا كل حاجة، لكن الفرق إنهم مش دايمًا بيعرفوا يعبروا أو يفسروا اللي بيحصل. علّموا ولادكم من صغرهم إنهم لو حسوا بأي حاجة غلط، لازم يتكلموا، لازم يحكوا، لازم يعرفوا إنكم هتصدقوهم وهتوقفوا جنبهم.
    
    بلاش تقولوا "ده عيب"، "متتكلمش في الحاجات دي"، "نسيبها على الله"، لأن الصمت عمره ما كان حل. اللي بيستغلوا الأطفال بيعتمدوا على سكوتهم، وبيعرفوا كويس إن الطفل مش هيقدر يدافع عن نفسه لو ماتعلمش إنه لازم يتكلم وما يسكتش.
    
    كونوا مصدر الأمان لأولادكم، خلوهم يعرفوا إنكم الحماية الحقيقية ليهم، وإن مفيش حاجة في الدنيا أهم من سلامتهم.
    
    
    رسائل أقدم الصفحة الرئيسية

    Pages

    authorX